عين صوفر

ظلّت صوفر حتى عام 1924 تعرف بعين صوفر، الوارد تعريفها في معجم اسماء المدن والقرى اللبنانيّة وتفسير معانيها، على أنها “عين صيّاد الطير من Sefra : طائر صغير أو عين العصفور، والجذر الذ ي يجب أن يرد إليه الأسم هو “صفر” وله معان عدّة : الصّفر ومنها العصفور، والصفرة (اللون) والصباح، والظفر . ويجب أن تكون إما عين العصفور Sefar، أو الصباح Sfar .

    وترجع بعض الروايات الشعبيّة تسمية البلدة الى صفير الريح فيها، وأخرى، الى صفير القطار لدى مروره فيها. وما يدحض هذه الروايات، خاصة الثانية، ورود “عين صوفر” كمحطة إستراحة للقوافل والحملات العسكريّة على طريق بيروت ـ دمشق، التي كانت في الأصل سكّة أنشأها الرومان في القرن الأول أو الثاني للميلاد

الموقع الاستراتيجي

 ففي سنة 1307م، سار نائب دمشق المملوكي “جمال الدين أقوش الأفرم” بأمر من السلطان محمد بن الناصر بن قلاوون، بجيش من خمسين ألف مقاتل، في حملة تهدف لتأديب أهل كسروان والجبال لمساعدتهم الإفرنج في معاركهم ضدّ المماليك، ولاقى الحملة المذكورة، في عين صوفر، عشرة من أمراء الدروز التنوخيين بعشرة آلاف مقاتل، لنصرتها. وكان المردة الكسروانيون قد “أحرقوا عين صوفر وشمليخ وعين زوينة وبحطوش وغيرهنّ من قرى الغرب” إنتقاماً من أمراء الدروز لمناصرتهم المماليك في معركة جبيل سنة 1290م، والتي آلت لهزيمة الإفرنج والمردة. وكانت مقاطعة الجرد، وبالتحديد عين صوفر، هدفاً للمحاربين الكسروانيين، نظراً لموقعها الاستراتيجي الهام على مدخل ممر ضهر البيدر، والسيطرة على هذا الممر الطبيعي تمنح الأفضلية للسيطرة على كامل الجبل وبالتالي على الساحل    

غدر ابراهيم باشا

وسنة 1584م، حلّ والي مصر إبراهيم باشا على رأس حملته العسكريّة في عين صوفر، إنفاذاً لأوامر السلطان مراد الثالث في معاقبة امراء المعنيين لاتهامهم  بالتستر على سارقي خزينة السلطان في جون عكّار. وتوجه الأمراء محمد جمال الدين من عرمون، ومنذر التنوخيّ من عبيه، ومحمد العسّاف من غزير، لمقابلة إبراهيم باشا في عين صوفر، وإسترضائه، وكان معهم جمع من عقّال الدروز، العزلاء من السلاح، لكن إبراهيم باشا غدر بهم، وقتل منهم نحو ستمئة رجل، وأسر الأمراء الثلاثة. وإستمرت أهمية عين صوفر كنقطة وصل بين البقاع والساحل وبين المتن والشوف، ففي سنة 1803م، “نهض الأمير بشير الشهابيّ الثاني من دير القمر الى عين صوفر ومعه حليفه الشيخ بشير جنبلاط برجاله والنكديّة برجالهم، تحضيراً للإنقضاض على العمادية وأتباعهم في الجرد واللمعييّن في المتن

محطة القطار

وفي عام 1857م، حصل الكونت “ادمون دو برتوي”، وهو ضابط سابق في البحرية الفرنسية، مقيم في بيروت، من السلطنة العثمانية، على إمتياز شق طريق للعربات (الكارات) والحوافل (الدليجانس)، بين بيروت ودمشق، لصالح الشركة الفرنسية “شركة طريق الشام العثمانية”، بموجب الفرمان السلطاني المؤرخ في 20 تموز 1857، وبالفعل بدأت الشركة المذكورة العمل تحت إشراف المهندس الفرنسي ديمان، وكان تدشين الطريق البالغ طولها 112 كيلومتر وعرضها سبعة أمتار، في الاول من كانون الثاني عام 1863. وبهذا التدشين، ترسّخ دور عين صوفر كمحطة إستراحة أساسيّة على هذا الطريق، خاصّة وأنها آخر محطة قبل الصعود الى ممر ضهر البيدر بإتجاه البقاع فدمشق، وأقيم في عين صوفر وقتها خان أبو خطّار في رويسات صوفر وخان أبو زهران. ومع إنشاء خط سكّة الحديد بين بيروت ودمشق، التي افتتحتها “الشركة المساهمة العثمانية لخط بيروت دمشق الاقتصادي”، في الثالث من آب عام 1895، مخفضّة تكاليف النقل الى الثلث تقريباً، وبالتالي نمو حركة التبادل التجاري والتنقل بدافع السياحة او الزيارة او غيره من الدوافع، تكرّست عين صوفر واحدة من أهم المحطات على هذا الخط، ولا تزال بقايا محطة القطار ماثلة ليومنا هذا

تشيد فندق صوفر الكبير

والحدث الأهم تأثيراً في تشكّل ونمو عين صوفر كقرية مأهولة، والواقع بين حدثي فتح طريق العربات وخط سكّة الحديد، كان إنشاء فندق صوفر الكبير عام 1885م، الذي شكّل حجر الزاوية، في قيام عين صوفر كقرية بحدّ ذاتها، وليس مجرد محطة إستراحة، إذ، ومع بدء العمل بفندق صوفر الكبير، بدأ المصطافون العرب واللبنانييّن، بتشييد منازل لهم في عين صوفر للإستمتاع بالهدوء وإعتدال المناخ ونقاء الهواء، وهذا إستتبعه قدوم كثر من أهالي قرى الجوار، بهدف تأمين المنتجات الزراعية والخدمات للمصطافين وأيضاً للعمل في فندق صوفر الكبير وغيره من الفنادق. وإستمر المسار التصاعديّ لعين صوفر، لتصبح في النصف الأول من القرن العشرين، درّة مشّعة الى جانب قريناتها من مدن وقرى الإصطياف اللبنانيّة، وإستقبلت بين حناياها كبريات الأحداث والشخصيات التاريخيّة، من لبنانيّة وعربيّة ودوليّة

ولادة اول مجلس بلدي عام 1922

ولعلّ من أهم محطّات هذا التحول، كانت المضبطة الإدارية لتشكيل مجلس بلدي في عين صوفر، عام 1913م، لكن إنتخاب هذا المجلس الذي كان محدداً في 23/8/1914، لم يحصل، بسبب ظروف الحرب العالميّة الأولى. وإنتظرت عين صوفر حتى عام 1922م لتشهد ولادة أول مجلس بلديّ فعليّ، بموجب القرار رقم 1458 الصادر عن حاكم لبنان الكبير “ترابو” بتاريخ 25 تموز 1922 . وبعدها بسنتين كان تأسيس بلدة صوفر، وذلك بموجب القرار رقم 2775 الصادر عن حاكم لبنان الكبير “الجنرال فندنبرغ”، والقاضي بجمع “الامكنة المعروفة باسم عين صوفر المقسومة حتى الآن ما بين قضائي الشوف والمتن والموضوعة تحت ادارة شيخي قريتي شارون وقبيع”، لتصبح “قرية واحدة تسمى قرية صوفر”، وتلحق مباشرة بلواء جبل لبنان.

ومع بزوغ فجر الجمهورية، ظلّت صوفر مقصداً لكبريات العائلات اللبنانية والعربية، واتخذها ثلاثة من رؤساء الجمهورية، هم اميل اده، الفرد نقاش وأيوب تابت، مقراً صيفياً لهم، بالاضافة لعدد كبير من الشخصيات اللبنانية والعربية والدولية

تحديد صوفر مركز اصطياف عام 1955

وفي عهد الاستقلال، حافظت صوفر على موقعها، واسطة عقد قرى الاصطياف اللبنانية، مستضيفة سلسلة من الاحداث والمناسبات الهامة، كمثل الاجتماع العربي الذي انبثقت عنه “اللجنة العربية العسكرية” عام 1944، والتي شكلت نواة قيام “جامعة الدول العربية” عام 1945م. وفي أواسط الخمسينيات، تمّ تحديد صوفر الى جانب بعض المدن والقرى الاخرى، كمراكز اصطياف، بموجب المرسوم رقم 8610 تاريخ 10 آذار 1955. وإستمر الألق السياحيّ لصوفر حتى منتصف السبعينيات، عندما حلّت الحرب الأهليّة اللبنانيّة، معلنة بداية مرحلة مؤلمة من تاريخ لبنان، تركت آثارها على مختلف الأصعدة الإجتماعيّة والإقتصاديّة. ولعلّ صوفر من أكثر قرى لبنان تأثراً بهذه الحرب، كونها خسرت الكثير من تنوعها الجامع لكل أطياف التنوع اللبنانيّ وكذلك هجرة الاخوة العرب، وبالتالي توقف عجلة الاصطياف والنمو عن دورانها

(المعلومات أعلاه منقولة حرفياً من رسالة ماجستير في التاريخ للسيد هشام ملحم شيّا تحت عنوان : تطور الإنماء السياحي في صوفر بين 1943 ـ 1975)